غزة ذاكرة الإنسان والزمان والمكان

 

غزة ذاكرة الإنسان والزمان والمكان 

ا.د هادي محمد طوالبة

كلية العلوم التربوية

 

قد تحتاج التربية لسنوات عديدة، ومواقف كثيرة من أجل أن تساهم في تنمية الوظائف العقلية، والوجدانية، والجسدية، والصحية.

ربما تحتاج التربية لزمن طويل حتى تتمكن من تقوية ملكات الفرد، وتهذب سلوكه، وتنمي قدراته، وفي النهاية قد تنجح مع أفراد، وتخفق مع آخرين.

ولكن، أحداث غزة شاء من شاء، وأبى من أبى شكلت واقعًا متينًا للبناء النفسي، والسلوكي، والاجتماعي، والثقافي، بل وربما الإنساني.

كانت أحداث غزة بمثابة الحدث الأكثر تأثيرًا في نفس كل فرد، وكانت موجهًا لمسارات وسلوكيات الفرد، كانت بوصلة لإعادة تنظيم منظومة القيم في نفوسنا، ومصدرًا لمراجعة الذات.

كانت غزة بزمانها، ومكانها، وإنسانها محطة للكثيرين منا في إجراء الكثير من التأملات في حياتهم لتعميق قيم الأمانة والمسؤولية والمحبة، وسببًا في إعادة ترتيب أولويات الحياة.

كانت غزة بمثابة أعظم درس لتدريس معان المواطنة والانتماء والولاء بأمثلة تطبيقية وعملية لا مثيل لها في كل التاريخ الإنساني.

أزمان مديدة، وصفحات ومؤلفات عديدة، وجهود بشرية مبذولة على مدار الزمن، ومع ذلك لم تنجح تلك الجهود كما نجحت غزة في تعليم الإنسانية معان سامية لا حصر لها.

ستبقى غزة مثالًا حيًّا لكل المعاني الجميلة، ومصدر إلهام لكل عاجز، ولكل صاحب أمل أنك تستطيع....تستطيع أن تنتصر....تستطيع أن تعيش بكرامة وعزة....تستطيع أن تكون قصة نجاح لا مثيل لها حتى وإن واجهت أسطورة ....تستطيع... مفردة تعلمناها من غزة التي أشعرتنا بالحرج من أنفسنا.

لقد تمكنت أحداث غزة من إيقاظ مشاعر وقيم، كانت أشبه بالنائمة لدى الكثيرين منا، تمكنت من تحقيق ما عجزت عنه صفحات ومجلدات ومؤلفات كثيرة.

كانت سببًا في توعية الأجيال وتمكينهم من الإحاطة بأسرار القضية الفلسطينية بكل الحواس المتاحة، وكأنها سلسلة من حلقات التعلم المتوالية أمامهم، والغاية إعداد أجيال تتسم بالشجاعة والقوة ورغبة التحدي وإثبات الذات، أجيال متتالية تمتلك قيم الإرادة والثبات والعزيمة.

أحداث غزة بكل محتواها، كانت لنا مصدرًا في مصالحة التاريخ، والرغبة بإعادة قراءة التاريخ، والاستمرار في سرد تاريخ فلسطين، وتاريخ غزة لكل أطفالنا، ولأنفسنا، ولأهلينا، ولشبابنا، من أجل البحث عن نماذج القدوة الحسنة.

في غزة تعلمنا الكثير من المعاني السامية، وتبنينا الكثير من الممارسات الحسنة، ومن غزة تعلمنا كيف تكون المواطنة، وكيف يكون الانتماء فعلًا وتطبيقًا وممارسة. من أطفال غزة شاهدنا أطفالًا في صورة الجسد، وقلوبهم كقلوب الكبار بأسًا وقوة.

غزة الكرامة، وغزة الفداء، وغزة الإباء والشموخ، ستبقى حكاية العشق في اليرموك الجامعة التي نحب أن نرددها، ونعشق تكرار حروفها على ألسننا حبًّا ووفاء وعشقًا وهيامًا.

كانت الأردن، وستبقى ما حيينا أنموذجًا في الإخاء تجاه كل مساحة في أرض فلسطين، ستبقى الأردن حكاية عشق لفلسطين، ستبقى دموعنا تذرف مع كل طفل قُتل، ستبقى قلوبنا تقطر ألمًا مع بناء قد دُمر.

ستبقى مفردة فلسطين بكل مدنها وقراها وبواديها في وجدان الأردن، ستبقى غزة بكل رجالاتها، ونسائها، وأطفالها مصدر عشق لنا.

نعاهدكم أن غزة ستبقى ذاكرة حاضنة للإنسان والزمان والمكان.

 

Copyright © 2024 YUCC.

Search